منهج السيرة النبويّة فى التعامل مع المشاكل المعاصرة فى الأسرة

مقدّمة

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين , الذى هدى السالكين لطريق الحقّ و اليقين و الصلاة و السلام على المبعوث رحمة للعالمين , الذى كان خلقه القرآن فى كلّ أمر من أمور الحياة و الدين , و هو حاجة من البشر , فأيقظ العقول من سباتها , و أخذ النفوس عن ضلالها , و أحيا الأفئدة و القلوب بعد موتها . و على آله و أصحابه الذين استقاموا على صراطه , و اعتصموا بهديه , فصاروا أعلاما راشدين , و أئمة مهتدين . أمّا بعـــد .....

فإنّ سنّة رسول الله صلّى الله عليه و سلّم مصدر سعادة المسلمين فى دينهم و دنياهم و أخراهم و شرف المسلمين و عزهم و مجدهم فى اتباع سنة رسول الله صلّى الله عليه و سلّم . قال الله سبحانه و تعالى " قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّوْنَ اللهَ فَاتَّبِعُوْنِى يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَ يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوْبَكُمْ وَ اللهُ غَفُوْرٌ رَحِيْمٌ" ( آل عمران : 31 ) . و قال " لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِى رَسُوْلِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُوْ اللهَ وَ الْيَوْمَ الأَخِرَ وَ ذَكَرَ اللهَ كَثْيْرًا " ( الأحزاب : 21) .


و لا شكّ أنّ بيت الرسول صلّى الله عليه و سلّم هو خير البيوت إذ أنّ الزوج هو خير البشر سيّدنا محمّد صلّى الله عليه و سلّم و الزوجات هنّ أمّهات المؤمنين الطاهرات و المبشّرات بالجنّة إلا أنّه لم يخل من المشاكل . فالنبيّ محمّد صلّى الله عليه و سلّم كان زوجا قدوة يستطيع حلّ المشاكل البيتية التى تعرض لها البيت النبوى الشّريف – و هي فى كل بيت من زوجات النبى صلّى الله عليه و سلّم الطاهرات - . كما أنّ الرسول صلّى الله عليه و سلّم من الرجال , و الرجال تكون قوامة على النساء . قالى الله سبحانه و تعالى " الرِّجَالُ قَوَّامُوْنَ عَلَى النِّسَاءِ " ( النساء : 34 ) . كلّ بيت يلزمه قيم يقوم عليه و يدبر أمره و يسوسه و يحفظه و يرعاه , و هذا القيم ينبغى أن يسمع له و يطاع ما لم يأمر بمعصية الله سبحانه و تعالى . قال الله سبحانه و تعالى "  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَ أَهْلِيكُمْ نَارًا وَ قُودُهَا النَّاسُ وَ الْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَ يَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ " ( التحريم : 6 ) . و قال النبىّ محمّد صلّى الله عليه و سلّم " كُلُّكُمْ رَاعٍ وَ كُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ فَالْأَمِيرُ رَاعٍ وَ الرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ وَ الْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ زَوْجِهَاهَا وَ وَلَدِهِ فَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَ كُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ "[1] .

و ليس من معانى القوّامة أن يكون الرجل فظٍّا غليظًا و جلفا جافياً فى بيته , و إنّما ينبغى أن يتحلّى بالخلق الحسن و الرفق و اللين , فهذا نبيّنا محمّد صلّى الله عليه و سلّم - خير البشر عليه أفضل صلاة و أتمّ تسليم و صاحب الخلق الكريم القويم مع كوننا أُمرنا بطاعته و امتثال أمره و اجتناب نهيه , فقد رزقه الله عزّ و جلّ اللين و أمره بخفض الجناح للمؤمنين , قال الله سبحانه و تعالى " فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَ لَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَ اسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَ شَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ " ( آل عمران : 159 ) .

و نسأل الله أن ينفعنا بهذه الرسالة اللطيفة , و لجميع المسلمين , و أن يحسن به المعاملات , و أن يجعل مآل كاتبها و قارئها و أسرهم إلى جنّات النعيم , و الله من وراء القصد محيط , و ما توفيقي إلا بالله عليه توكّلت و إليه أنيب . و صلِّ اللهمّ على سيّدنا محمّد و على آله و صحبه و سلّم , سبحانك اللهم و بحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك و أتوب إليك .



[1] رواه البخارى : 5200


أ – حياة الزوجيّة


نَقِّلْ فُؤَادَكَ مَا اسْتَطَعْتَ مِنَ الْهَوَى         مَا الْحُبُّ إِلَّا لِلْحَبِيْبِ الْأَوَّلِ
كَمْ مَنْزِلٍ فِى الْأَرْضِ يَأْلُفُهُ الْفَتَى          وَ حَنِيْنُهُ أَبَدًا لِأَوَّلِ مَنْزِلِ
البيتان لأبى تمام

إنّ الأسرة هي حياة زوجيّة التى كانت آية من آيات وحدانية الله و عظمة سلطانه و يقول الله تعالى " وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَ رَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ " ( الروم : 21 ) .

تعالى لننظر إلى هذه الآية من القرآن , لنرى موقعها من سورة الروم , فلقد جاءت هذه الآية تتضمّن عن الحياة الزوجية أو الأسرة و هي التى تقوم على المودّة و الرحمة و هما دستور التعامل بين الزوجين , و جعل الهدف الأساسى للعلاقة الزوجية : السكن الهادئ و الطمأنينة و الراحة , أي السعادة . يقول الشيخ الغزالى رحمه الله : هناك معالم ثلاثة ينبغى أن تتوفر فى البيت المسلم , أو أن تظهر فى كيانة المعنوى ليؤدّى رسالته و يحقّق وظيفته هذه الثلاثة هي السكينة و المودّة و التراحم[1] .

فالمراد بالسكينة الاستقرار النفسى , فتكون الزوجة قرة عين لرجلها لا يعدوها إلى أخرى كما يكون الزوج قرة عين لزوجته لا تفكر فى غيره . أمّا المودة فهي شعور متبادل بالحبّ يجعل العلاقة قائمة على الرضا و السعادة . و الرحمة هي نبع للرقة الدائمة و دماثة الأخلاق و شرف السيرة[2] . فعندما تقوم البيوت على السكن المستقر , و الود المتصل , و التراحم الحانى , فإنّ الزواج يكون أشرف , و أبكرها أثرًا . فبدون هذه المعالم الثلاثة لا يقوم للبيت قائمة , فالبيوت تبنى على الحبّ المتبادل , كما قال الله تعالى " هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَ أَنْتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ " ( البقرة :    187 ) .

فالزوجان فى الدنيا يكونين زوجين فى الجنّة إن صلح حالهما , و لذالك عندما خافت السيدة سودة بنت زمعة رضي الله عنها من أن يطلقها رسول الله صلّى الله عليه و سلّم قالت له " لا تطلقنى فإنّى أحب أن أبعث مع نسائك يوم القيامة "[3] , و من شأنها نزل قول الله تعالى " وَ إِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَ الصُّلْحُ خَيْرٌ وَ أُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ وَ إِنْ تُحْسِنُوا وَ تَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا " ( النساء : 128 ) . جاءت الرواية أنّها قالت له صلّى الله عليه و سلّم " ما بى على الأزواج من حرص , و لا أريد ما تريد النساء , و لكنى أحب أن يبعثنى يوم القيامة فى أزواجك " . فحقّق النبىّ صلّى الله عليه و سلّم – مطلبها – و أمسكها عنده حتى توفى , و جعل نوبتها لعائشة[4] .

و قيل كانت امرأة عمران بن حطان من أجمل الناس وجهًا , و كان هو من أقبح الناس وجهًا , فقال لها يومًا " أَنَا وَ إِيّاكَ فِى الْجَنَّةِ إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى " فقالت له " وَ كَيْفَ ذلِكَ ؟ فقال " لِأَنِّى أُعْطِيْتُ مِثْلَكِ فَشَكَرْتُ وَ أُعْطِيْتِ مِثْلِى فَصَبَرْتِ , وَ الصَّابِرُ وَ الشَّاكِرُ فِى الْجَنَّةِ[5] .

نعم , لا يوجد بيت على وجه الأرض إلا وتهب عليه ريح الخلاف , و لا يوجد زوجين متّفقان كلّيًّا . فالخلافات الزوجية شيء طبيعيّ و لا بدّ من حدوثها[6] .

و لهذا كان لزامًا لهذه العلاقة الأبدية من قانون ينظمها , و منهجية تسير وفقها , و نحن كمسلمين نتميّز عن أهل الأرض جميعا بقانون الإسلامى الذى ينظم تلك العلاقة و يهتمّ بكلّ صغيرة فيها و بكلّ كبيرة . و جعل الإسلام الحقوق بين الزوجتين , و هي التالية :
§         حقوق الزوجة على زوجها : يجب للزوجة على زوجها حقوق كثيرة ثبتت لها , كما قال الله سبحانه و تعالى " وَ لَهُنَّ مِثْلُ الَّذِى عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوْفِ " ( البقرة : 228 ) . و قال رسول الله صلّى الله عليه و سلّم " إِنَّ لَكُمْ مِنْ نِسَائِكُمْ حَقًّا , وَ لِنِسَائِكُمْ عَلَيْكُمْ حّقًّا "[7] . و منها :

1.      نفقتها من طعام و شراب و كسوة و سكنى بالمعروف , قال رسول الله صلّى الله عليه و سلّم " تُطْعِمُهَا إِذَا طَعِمْتَ , وَ تَكْسُوْها إِذَا اكْتَسَيْتَ , وَ لَا تَضْرِبِ الْوَجْهَ وَ لَا تُقَبّحْ[8] وَ لَا تَهْجُرْ إِلَّا فِى الْبَيْتِ "[9] أي لا يحولها إلى بيت آخر يهجرها بما فيه .   
2.      الاستمتاع , فيجب عليه أن يطأها و لو مرّةً فى كلّ أربعة أشهر إن عجز على قدر كفايتها منه , قال الله تعالى " لِلَّذِيْنَ يُؤْلُوْنَ مِنْ نِسَآئِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَآءُو فَإِنَّ اللهَ غَفُوْرٌ رَحِيْمٌ " ( البقرة : 226 ) .
3.      المبيت عندها فى كلّ أربع ليال ليلة إذا قضى به على عهد عمر رضي الله عنه .
4.      القسم لها بالعدل إن كان لزوجها نساء غيرها , لقول رسول الله صلّى الله عليه و سلّم " مَنْ كَانَتْ لَهُ امْرَأَتَانِ يَمِيْلُ لِإِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَ أَحَدَ شَقَيْهِ سَاقِطٌ "[10] .
5.      استحباب إذنه لها فى تمريض أحد محارمها , و شهود جنازته إذا مات , و زيارة أقاربها زيارة لا تضر بمصالح الزوج .

§         و حقوق الزوج على زوجته : و للزوج على زوجته حقوق ثابتة بقول الله سبحانه و تعالى " وَ لَهُنَّ مِثْلُ الَّذِى عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوْفِ " ( البقرة : 228 ) . فما عليهنّ هو حقوق الزوج . قال رسول الله صلّى الله عليه و سلّم " إِنَّ لَكُمْ مِنْ نِسَائِكُمْ حَقًّا "[11] . و من هذه الحقوق هي :

1.      الطاعة فى المعروف , فتطيعه فى غير معصية الله , قال رسول الله صلّى الله عليه و سلّم " لَوْ كُنْتُ آمِرًا أَحَدًا أَنْ يَسْجُدَ لِأَحَدٍ لَأَمَرْتُ الْمَرْأَةَ أَنْ يَسْجُدَ لِزَوْجِهَا "[12] .
2.      حفظ ماله و صون عرضه و أن لا تخرج من بيته إلا بإذنه , قال الله تعالى " فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللهُ " ( النساء : 34 ) . و ( القانتات ) هنّ الطائعات . و ( الحافظات للغيب ) أي : اللائى يحفظن غيبة أزواجهنّ فى نفسها و ماله . و قال رسول الله صلّى الله عليه و سلّم " خَيْرُ النِّسَاءِ الَّتِى إِذَا نَظَرْتَ إِلَيْهَا أَسَرَّتْكَ , وَ إِذَا أَمَرْتَهَا أَطَاعَتْكَ , وَ إِذَا غِبْتَ عَنْهَا حَفِظَتْكَ فِى نَفْسِهَا وَ مَالِكَ "[13] .
3.      السفر معه إذا شاء و لم تكن قد اشترطت عليه فى عقدها عدم السفر بها , إذ سفرها معه من طاعته الواجبة عليها .
4.      تسليم نفسها له متى طلبها للاستمتاع بها , قال رسول الله صلّى الله عليه و سلّم " إِذَا دَعَا الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ إِلَى فِرَاشِهِ فَأَبَتْ أَنْ تَجِيْءَ فَبَاتَ غَضْبَانَ عَلَيْهَا , لَعَنَتْهَا الْمَلَائِكَةُ حَتّى تُصْبِحَ "[14] .
5.      استأذانه فى الصوم إذا كان حاضرًا غير مسافرٍ , كما قال رسول الله صلّى الله عليه و سلّم " لَا يَحِلُّ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَصُوْمَ وَ زَوْجُهَا شَاهِدٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ "[15] .

§         أمّا الحقوق المشتركة بين الزوجين هي :
1.      حلّ العشرة الزوجية , و استمتاع كلّ من الزوجين بالآخر . و هذا الحلّ مشترك بينهما , فيحلّ للزوج من زوجته ما يحلّ لها منه , و هذا الاستمتاع حقّ للزوجين , و لا يحصل إلا بمشاركتهما معًا , لأنّه لا يمكن أن ينفرد به أحدهما .
2.      حرمة المصاهرة : أي أنّ الزوجة تحرم على آباء الزوج , و أجداده , و أبنائه , و فروع أبنائه و بناته , كما يحرم هو على أمهاتها , و بناتها , و فروع أبنائها و بناتها .
3.      ثبوت التوارث بينهما , بمجرد إتمام العقد , فإذا مات أحدهما بعد إتمام العقد , ورثه الآخر , و لو لم يتم الدخول .
4.      ثبوت نسب الولد من الزوج , صاحب الفراش أو صاحب العقد الصحيح .
5.      المعاشرة بالمعروف : فيجب على كلّ من الزوجين أن يعاشر الآخر بالمعروف , حتّى يسودهما الوئام .
فلذالك لابدّ أن يعرف كلّ طرف بين الزوجين الحقوق أو الواجبات التى عليه . و كلّ بيت يلزمه قيم يقوم عليه و يُدبر أمره و يحفظه و يرعاه , و هذا القيم ينبغى أن يسمع له و يطاع ما لم يؤمر بمعصية , فالقيم على البيت هو الرجل , و الذى تنصيبه قيمًا على البيت هو من الله تعالى , و أمّا البيان فيما يالى .



[1] الحبّ و أثره فى استقرار الأسرة : 6
[2] الحبّ و أثره فى استقرار الأسرة : 7
[3] الجامع لأحكام القرآن الكريم للقرطبي
[4] زوجات النبىّ صلّى الله عليه و سلّم الطاهرات و حكمة تعدّدهنّ لدكتور على يوسف السبكى :64
[5] إمتناع الأنام بجواهر الكلام لأحمد حسنى محمود : 290
[6] نقلا عن تحفة العروس لمحمود مهدى الإسلامبولى
[7] رواه ابن ماجه : 1851
[8] لا تقبح : أي لا يقل قبح الله وجهها
[9] رواه إمام أحمد : 4 : 448
[10] رواه إمام أحمد : 2 : 347
[11] رواه الترمذى : 1159
[12] رواه الترميذى : 1159
[13] رواه ابن ماجه , كتاب النكاح – باب أفضل النساء : 3857
[14] رواه مسلم فى النكاح : 122
[15] رواه البخارى : 7 : 39

ب – قوامة الرجل على المرأة

إنّ الرجل على المرأة هى قوامة تكليف لا تشريف أي أن الله رفع المرأءة فجعل لها من يقوم برعايتها[1] . قال الله سبحانه و تعالى " الرِّجَالُ قَوَّامُوْنَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَ بِمَا أَنْفَقُوْا مِنْ أَمْوَالِهِمْ " ( النساء : 34 ) . و     المراد من " الرجال قوّامون على النساء " هو رئيسها و كبيرها و الحاكم عليها و مؤدبها إذا اعوجّت أي قوّامون على النساء فى الأدب , أمّا " بما فضّل الله بعضهم على بعض " أنّ الرجال أفضل من النساء , و الرجل خير من المرأة , و لهذا كانت النبوة مختصّة بالرجال و كذلك الملك الأعظم[2] , كما قال رسول الله صلّى الله عليه و سلّم " لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ وَ لَّوْا أَمْرَهُمْ امْرَأَةً "[3] . فقوامة الرجل على المرأة كما ذكر الله سبحانه و تعالى بشيئين : أوّلها : بما فضّل الله بعضهم على بعض , أى بما فضّل الله به الرّجال على النساء فى أصل خلقتهم من قوة الرجل و رجحان عقله و جلادته و صبره , و بما خصّ الله به الرجال دون النساء من جعل النبوة فيهم كما قال الله تعالى " وَ مَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ " ( الأنبياء : 7 ) , و كذالك الخلافة , و جعل الله شهادة الرجل تعدل شهادة امرأتين و جعل له من الميراث ضعف المرأة , و جعل له الحقّ فى أن يجمع بين أربع نسوة , و لا يحقّ للمرأو إلا أن تكون تحت زوج واحد , و جعل الله الطلاق و النكاح و الرجعة بيد الرجل , و كذالك انتساب الأولاد إلى أبيهم دون أمّهم[4] , و جعل الجهاد على الرجل دون النساء , و كذالك كثير من مسائل الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر تتعلّق بالرجال دون النساء[5] . و ثانيها : فى بيان سبب قوامة الرجل على المرأة هو الإنفاق المذكور لقول الله تعالى " وَ بِمَا أَنْفَقُوْا مِنْ أَمْالِهِمْ " ( النساء : 34 ) , فالرجل ينفق على المرأة منذ بداية عقده عليها . فيجب لها عليه مهر و يجب لها عليه إطعام و قسوة و مسكن و سائر أوجه الإنفاق الواجبة للنساء على الرجال ,   وحتى إذا طلقها يجب لها فى ماله النفقة و السكنى إلى غير ذالك .

و يتأكد بقوامة الرجل على المرأة بقول الله سبحانه و تعالى " وَ لِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ " ( البقرة : 28 ) , و قال النبي صلّى الله عليه و سلّم " لَوْ كُنْتُ آمِرًا أَحَدًا أَنْ يَسْجُدَ لِأَحَدٍ لَأَمَرْتُ الْمَرْأَةَ أَنْ يَسْجُدَ لِزَوْجِهَا "[6] . و أيضًا من سبب قوامة الرجل على المرأة , أنّ المرأة كانت ناقصة العقل و الدين , كما قال الرسول صلّى الله عليه و سلّم : " يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ تَصَدَّقْنَ فَإِنِّى أُرِيْتُكُنَّ أَكْثَرَ أَكْثَرَ أَهْلِ النَّارِ " فَقُلْنَ : وَ بِمَ يَا رَسُوْلَ اللهِ ؟ قَالَ : " تُكْثِرْنَ اللَّعْنَ وَ تَكْفُرْنَ الْعَشِيْرَ , مَا رَأَيْتُ مِنْ نَاقِصَاتِ عَقْلٍ وَ دِيْنٍ أَذْهَبَ لِلُبِّ الرَّجُلِ الْحَازِمِ مِنْ إِحْدَاكُنَّ " قُلْنَ : " وَ مَا نُقْصَانُ دِيْنِنَا وَ عَقْلِنَا يَا رَسُوْلَ اللهِ ؟ " قَالَ : " أَ لَيْسَ شَهَادَةُ الْمَرْأَةِ مِثْلَ نِصْفِ شَهَادَةِ الرَّجُلِ " قُلْنَ : " بَلَى " قَالَ : " فَذَلِكِ مِنْ نُقْصَانِ دِيْنِهَا "[7] . و قد جعل الله سبحانه و تعالى الزوجة سكنًا لزوجها فليكن رحيما بها و على مودّة معها , بقوله " هُوَ الَّذِى خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا " ( الأعراف : 189 ) . كما كان النبىّ صلّى الله عليه و سلّم فى حسن المعاشرة مع أهله , و يمثل ذلك كان الرسول صلّى الله عليه و سلّم يجلس و يستمع إلى أمّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها و هي تقصّ عليه الصلاة و السلام حديث النسوة اللاتى جلسن و تعاقدن على أن لا يكتمن خبر أزواجهنّ شيئًا ألا و هو حديث أمّ زرع[8] , و هو حديث طويل و مع ذلك لا يملّ رسول الله صلّى الله عليه و سلّم من عائشة التى تقصّه عليه الصلاة و السلام . إنّ الرسول صلّى الله عليه و سلّم لم ينهر قطّ زوجة من زوجاته إلا لمعصية , و رغم أن أغاني الفسق و الحبّ انتشرت فى مجتمعاتنا إلا أنّنا نفتقد الحياة الأسرية الحقيقية لعدم وجود المودة و الرحمة . و مع أنّ الرسول صلّى الله عليه و سلّم كان يحبّ زوجاته حبٍّا جمًّا . و لم يكن أيّ زوج محبوبا من قبل زوجاته مثلما كان رسول الله صلّى الله عليه و سلّم محبوبًا من قبل أمهات المؤمنين[9] . فكان الرسول صلّى الله عليه و سلّم و هو العابد الخاشع , و القائد الحاكم و هو أيضًا من أفكه الناس مع زوجاته , و أحسنهم خلقًا , و يقصّ لهنّ القصص , و يستمع إلى قصصهنّ .

و أنّ الزوج هو عماد البيت و بصلاحه يصلح البيت كلّه , و يسعد فى الدنيا و الآخرة إن شاء الله . فالمرأة دائمًا بحاجة أن تشعر بقوامة زوجها العملية و بتحقيق كلّ متطلّبات القوّامة و هي تريد أن تشعر أنّها مسؤول عنها زوجها . لقد حدث مشكلة بين الرسول صلّى الله عليه و سلّم و بين زوجته السيّدة عائشة رضي الله عنها , و هي السيدة عائشة كانت رفعت صوتها فوق صوت النبى فى الحديث , و سمعها أبو بكر و هو قادم عليها فغضب , و يقول " أَ تَرْفَعِيْنَ صَوْتَكِ فَوْقَ صَوْتَ رَسُوْلِ اللهِ ؟ " فمنعه الرسول صلّى الله عليه و سلّم أن يؤذيها , فلمّا خرج أبو بكر رضي الله عنه , قال لها الرسول صلّى الله عليه و سلّم مازحًا و هو يريد أن يسترضيها " أَ لَا تَعْلَمِيْنَ أَنَّنِى مَنَعْتُ وَالِدَكَ وَ كَانَ يُرِيْدُ أَذَاكَ ! " و دخل أبو بكر رضي الله عنه بعدها فوجدهما يضحكان , فقال لهما " أَشْرَكَانِ فِى سُرُوْرِكِمَا كَمَا أَشْرَكْتُمَانِ فِى غَضْبِكِمَا "[10] . و من هنا دليل من الأدلة قوامة الرسول صلّى الله عليه و سلّم على زوجته عائشة رضي الله عنها و هو يدفع الأذى لزوجته من أبيها أبو بكر رضي الله عنه .

فالرجل هو ربّ الأسرة أو رئيس العائلة , و المسؤول الأول عنها , و هو من كان قويًّا و عزيزًا أن يتحطم بناء الأسرة إلا لدوافع غلابة , و ضرورات قاهرة , تجعله يضحى بكلّ تلك النفقات و الخسائر من أجلها . و لقد كان الرسول صلّى الله عليه و سلّم قبل كلّ شيء أبًا و جدًّا لا نظير و لا مثيل له . و قد يبدو لنا هذا أمرًا بسيطًا من ناحية الإجتماعية , إلّا أنّه فى الحقيقة من أصعب العقبات التى يجب على الإنسان تخطيها , و كان رسول الله صلّى الله عليه و سلّم فى الصفّ الأوّل من الذين تخطوها بسهولة و بنجاح , فأصبح أفضل أب و أفضل جدّ . ثمّ إنّه ربّ أولادًا و أحفادًا جاء من صلبهم معظم رجال السلسلة الذهبية فى التأريخ الإسلامى من الذين كانوا شموسًا و أقمارًا و نجومًا هادية[11] .

هذا كان من أخلاق رسول الله صلّى الله عليه و سلّم على أنّه جميل العشرة , دائم البشر , يتلطّف بأهله , و يوسعهم نفقة. و كثير غير ما ذكرت من الأدلة الدالة على قوامة الرجل على المرأة , و ليس للمرأة أن تعترض عليه , فهي قسمة من الله تعالى الحكيم العليم اللطيف . بقول الله عزّ و جلّ " وَ لَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَ لِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَ اسْأَلُوا اللهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا " ( النساء : 32 ) . ففى حقيقة الأمر أنّ قوامة الرجل هى نوع من التكليف الإلهى , فلا يمكن لسفينة الزواج أن تسير بدون قائد , كما أنّها ستتخبّط إذا كان لها أكثر من ربّان[12]



[1] فنون و أسرار السعادة الزوجية , لدكتور ياسر نصر : 48
[2] تفسير القرآن العظيم لابن كثير : 387
[3] رواه البخارى : 7099
[4] إلّا فى حالات مستثاة نادرة .
[5] و يجوز للنساء فى بعض الأحيان تغيير المنكر إذا كان تغييرهنّ له لا يؤدى إلى فساد أكبر
[6] رواه الترميذى : 1159
[7] رواه البخارى : 304 , و مسلم : 80
[8] رواه البخارى : 5189 , و مسلم : 2448
[9] النور الخالد , 286
[10] سيرة النبىّ العرب : 1 : 405
[11] نقلا من النور الخالد : 306
[12] نقلا عن لغات الحبّ لكريم الشاذلى : 154

ج – حثّ على العبادة

            على الشخص أن يكون مذاكرًا لأسرته بطاعة الله عزّ و جلّ حثًّا على حسن عبادت الله سبحانه و تعالى , و على فعل الخير و البرّ و الصبر و جميع الأعمال المعروفة , قال الله سبحانه و تعالى " وَ أْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَ اصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَ الْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى " ( طه : 112 ) , و قالت عائشة رضي الله عنها " كَانَ النَّبِىّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ يُصَلِّى وَ أَنَا رَاقِدٌ مُعْتَرِضَةٌ عَلَى فِرَاشِهِ , فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يُوْتِرَ أَيْقَظَنِى فَأَوْتَرْتُ "[1] .

            و حسن عبادة الله سبحانه و تعالى و طاعته من الإيمان , أمّا الإيمان هو دواؤنا من كلّ المشاكل التى نمرّ بها , فالقلب الموصول بالله سبحانه و تعالى هادئ مطمئنّ لا تهزّه النوائب و لا تؤثر فيه صروف الدهر , فطاعة الله تعطى للمؤمن ثقة فى نفسه , و هدوءًا فى طبعه , و حسن ظنّ فى دهره , كما قال الله سبحانه و تعالى " الَّذِينَ آمَنُوا وَ تَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ " ( الرعد : 28 ) , و قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم : يَقُوْلُ اللهُ تَعَالَى : أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِى بِى، وَ أَنَا مَعَهُ إِذَا ذَكَرَنِى ، فَإِنْ ذَكَرَنِى فِى نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِى نَفْسِى ، وَ إِنْ ذَكَرَنِى فِى مَلَإٍ ذَكَرْتُهُ فِى مَلَإِ هُمْ خَيْرٌ مِنْهُمْ ، وَ إِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ شِبْراً تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعاً ، وَ إِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ بَاعاً ، وَ إِنْ أَتَانِى يَمْشِى أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً "[2] .

            فالطاعات و فعل الخيرات و الحسنات من الأشياء التى تؤثر فى قوّة العلاقة الزوجية , و تقوّى ما بينهما من ودّ و رحمة , و يجمد ما بينهما من مشاعر المحبّة , و فى هذا يقول أحد السلف الصالح التابعى " إِنِّى لَاَعْرِفُ طَاعَتِى مِنْ مَعْصِيَتِى مِنْ خُلُقِ زَوْجَتِى وَ عَثْرَةُ دَابَتِى "[3] . و لذلك فليحرص كلا الزوجين على القرب من الله تعالى , و الإلتزام بما أمر الله سبحانه و تعالى و رسول الله صلّى الله عليه و سلّم , كما أشار النبىّ صلّى الله عليه و سلّم حين قال " رَحِمَ اللهُ رَجُلًا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ فَصَلَّى وَ أَيْقَظَ امْرَأَتَهُ , فَإِنْ أَبَتْ نَضَحَ فِى وَجْهِهَا الْمَاءَ , رَحِمَ اللهُ امْرَأَةً قَامَتْ مِنَ اللَّيْلِ فَصَلَّتْ وَ أَيْقَظَتْ زَوْجَهَا فَإِنْ أَبَى نَضَحَتْ فِى وَجْهِهِ الْمَاءَ "[4] .

فالزوج الذى لا يأمر أهله بالصلاة , مع أنّ هو واجب عليها , و يترك زوجته و أولاده يتخبطون فى دروب الحياة , و إن اهتدى هو إلى صراط المستقيم , زوج ظالم لأهله و محاسب على ظلمه و الله سبحانه و تعالى يفرع آذان هؤلاء بقوله " يَا أَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُوْا قُوْا أَنْفُسَكُمْ وَ أَهْلِيْكُمْ نَارًا وَ قُوْدُهَا النَّاسُ وَ الْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُوْنَ اللهَ مَا أَمَرَهُمْ وَ يَفْعَلُوْنَ مَا يُؤْمَرُوْنَ " ( التحريم : 6 ) . و " على الزوج أن لا يسكت على زوجته و أولاده فى منكر , و لا يرضى لهم بمعصية , و لا يقرهم على خطيئة , فمن مقتضيات محبّتهم , و مستلزمات مودّتهم , حمايتهم من أنفسهم – و هي أوّل أعدائهم – و حمايتهم من أعداهم الذين يتربّصون بهم , و يكيدون لهم , و يريدون أن يستأصلوا شأفتهم , و بيتك مملكتك , فكيف ترضى أن يعصى فيه ربّك "[5] . كما قال رسول الله صلّى الله عليه و سلّم " مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ . فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ , فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ . وَ ذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيْمَانِ "[6] .

            و رضا الله هو مطلب الزوجين اللبيبين اللذين يأنفان أن ينزلا من سماء مطلبهما العالى , فهم بقلوبهم و أعمالهم فى سفر دائم إلى الله سبحانه و تعالى , و سالك درب الرقي , فلذلك يحتاج إلى إشارة ترشده إلى مسلك الصحيح ألا و هو الاستعانة بالله سبحانه و تعالى فى كلّ الأعمال , فكن مع الله بالطاعة كأنّه يراك , لأنّ الله سبحانه و تعالى هو الأوّل فى قرار يتخذه الأفراد بالأسرة , و من ذالك توضح أهداف الأسرة , و تكون الحياة سعيدة و مودّة و رحمة , و هذه كلّها تصيل إلى السكينة . قال الله سبحانه و تعالى " وَ قَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُون عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ " ( غافر : 60 ) .

            و لأنّ قلوب الناس بين أصبعين من أصابع الله سبحانه و تعالى يقلّبها كيف يشاء , و كما أخبر بذلك الرسول صلّى الله عليه و سلّم حين قال " إِنَّ قُلُوْبَ بَنِي آدَمَ كُلُّهَا بَيْنَ إِصْبَعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الرَّحْمَنِ كَقَلْبٍ وَاحِدٍ يُصَرِّفُهُ حَيْثُ يَشَاءُ " ثمّ قال رسول الله صلّى الله عليه و سلّم " اللّهُمَّ ! مُصَرِّفَ الْقُلُوْبِ ! صَرِّفْ قُلُوْبَنَا عَلَى طَاعَتِكَ "[7] .

و لذلك يلزم أن يملأ البيت بطاعة الله عزّ و جلّ و يذكره فيه ذكر الله العزيز الكريم , فيكون البيت مؤمنًا , و قال الله سبحانه و تعالى " وَ أَوْحَيْنَآ إِلَى مُوسَى وَ أَخِيهِ أَن تَبَوَّءَا لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا وَ اجْعَلُوْا بُيُوْتَكُمْ قِبْلَةً وَ أَقِيمُوْا الصَّلَاةَ وَ بَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ " ( يونس : 87 ) , كما قال الرسول صلّى الله عليه و سلّم "  مَثَلُ الْبَيْتِ الَّذِي يُذْكَرُ الله َفِيْهِ , وَ الْبَيْتِ الَّذِي لَا يُذْكَرُ الله فِيْهِ , مَثَلُ الْحَيِّ وَ الْمَيِّتِ "[8] .
فالبيت الذى يقام فيه الصلاة و الذكر الذى يذكر هو بيت مبارك , تزوره الملائكة و تنفر منه الشياطين , و تتنزّل عليه رحمات الله سبحانه و تعالى , كما حثّنا الرسول صلّى الله عليه و سلّم بالصلاة فى البيت , بقول رسول الله صلّى الله عليه و سلّم " فَعَلَيْكُمْ بِالصَّلَاةِ فِى بُيُوْتِكُمْ ، فَاِنَّ خَيْرَ صَلَاةُ الْمَرْءِ فِى بَيْتِهِ . اِلَّا الصَّلاَةَ الْمَكْتُوْبَةَ "[9] , و قال أيضًا " إِذَا قَضَى اَحَدُكُمْ صَلاَتَهُ فِى مَسْجِدِهِ ، فَلْيَجْعَلْ لِبَيْتِهِ نَصِيْبًا مِنْ صَلاَتِهِ ، فَاِنَّ اللهَ جَاعِلٌ مِنْ صَلاَتِهِ خَيْرًا "[10] , و الصلاة موجودة لكي تقوم بإنارة حياتنا و لا يصحّ الخروج منها بسرعة و بأيّ شكل من الأشكال[11] , و الذكر لكي يطمئنّ القلب كما ذكرت من قبل .

            و فى القرآن الكريم ذُكر الأدعياء للأسرة , و منها " رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَ ذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَ اجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا " ( الفرقان : 74) , و الدعاء هو مخّ العبادة[12] و الدعاء هو الرجوع إلى ربّ و الاتجاه نحوه , و لا يمكن الحديث عن العبودية دون الحديث عن الدعاء[13] . و مع أنّ الدعاء من الزوج لزوجته من سنن النبى صلّى الله عليه و سلّم و سائر النبيّين صلوات الله و سلامه عليهم أجمعين .

و لقد حكى لنا القرآن الكريم عن سيّدنا زكريّا عليه السلام دعاءه لأهله , قال الله سبحانه و تعالى " هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِى مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً " ( آل عمران : 38 ) . فاستجاب الله سبحانه و تعالى دعاء سيّدنا زكريّا عليه السلام بقول الله سبحانه و تعالى " وَ زَكَرِيَّآ إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِى فَرْداً وَ أَنتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ - فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَ وَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَ أَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُواْ يُسَارِعُونَ فِى الْخَيْرَاتِ وَ يَدْعُونَنَا رَغَباً وَ رَهَباً وَ كَانُواْ لَنَا خـشِعِينَ " ( الأنبياء : 89 – 90 ) . و بيّن ابن كثير فى تفسيره عن الآية ( ربّ لا تذرنى فردًا ) أي : لا ولد لى و لا وارث يقوم بعدى فى الناس , و ( أصلحنا له زوجه ) أي : امرأته , أي قال ابن عبّاس : كانت امرأته عاقرًا لا تلد , فولدت[14] . و لأنّ إجابة الدعاء هي وعد الله تعالى لعباده إذا دعاه و لا يجعل بينه و بين خلقه أحدًا من عباده واسطة فى دعائه و عبادته , بقوله عزّ و جلّ " وَ إِذَا سَأَلَكَ عِبَادِى عَنِّى فَإِنِّى قَرِيْبٌ أُجِيْبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيْبُوْا لِى وَلْيُؤْمِنُوْا بِى لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُوْنَ " ( الفرقان : 77 ) .

كما علّم ابن مسعود غيره الدعاء لبركة فى الأهل ألا و هو " اللهُمَّ بَارِكْ لِى فِى أَهْلِى وَ بَارِكْ لَهُمْ فِيَّ , اللهُمَّ اجْمَعْ بَيْنَنَا مَا جَمَعْتَ بِخَيْرٍ , وَ فَرِّقْ بَيْنَنَا إِذَا فَرَّقْتَ إِلَى خَيْرٍ "[15] . قال القرطبى رحم الله عنه عن الدعاء " فالواجب على الإنسان أن يتضرّع إلى خالقه فى هداية ولده و زوجه و أن يكثر من الدعاء لهما بالتوفيق و الهداية و الصلاح و العفاف و الرعاية و أن يكون مُعِيْنَيْنِ له على دينه و دنياه حتى تعظم منفعته بهما فى أُولاه و أُخراه "[16] .

فالدعاء ليس قاصرًا مخصّصًا على الرجل فقط دون المرأة بل عليهما جميعًا , و إذا خاف الرجل من نشوز زوجته فليكثر لها من الدعاء ليصلحها الله سبحانه و تعالى له , أو إذا عانت المرأة من سوء خلق زوجها فلتبادر إلى ربّ العزّة العظيم لتدعو الله عسى الله سبحانه و تعالى أن يصلحه لها .

فلذا على الرجل كقائد سفينة الأسرة أن يعلّم أهله ما ينفع لأسرته فى أمور الدين و الدنيا و الآخرة كما قال الله سبحانه و تعالى " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَ أَهْلِيكُمْ نَارًا وَ قُودُهَا النَّاسُ وَ الْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَ يَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ " ( التحريم : 6 ) , و قال النبىّ صلّى الله عليه و سلّم " ارْجِعُوْا إِلَى أَهْلِيْكُمْ . فَاَقِيْمُوْا فِيْهِمْ , وَ عَلِّمُوْهُمْ . وَ مُرُوْهُمْ[17] , و فى حديث أمّ سَلَمَةَ رضي الله عنها قالت : اسْتَيْقَظَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ ذَاتَ لَيْلَةٍ فَقَالَ " سُبْحَانَ اللهِ , مَاذَا أُنْزِلَ اللَّيْلَةَ مِنَ الْفِتَنِ ؟ وَ مَاذَ فُتِحَ مِنَ الْخَزَائِنِ ؟ أَيْقِظُوْا صَوَاحِبَاتِ الْحُجَرِ فَرُبَّ كَاسِيَةٍ فِى الدُّنْيَا عَارِيَةٍ فِى الْآخِرَةِ[18] . هذان دليلان على أنّ الرسول صلّى الله عليه و سلّم يريد على الرجل كقائد الأسرة أن يقيم أهله للصلاة , و الذكر , و ما ينفع لهم للدين و الدنيا و الآخرة .



[1] رواه البخارى : 977
[2] رواه مسلم : 2675
[3] كلام الفضيل بن عياض رحمه الله
[4] رواه أبو داود
[5] 100 فكرة لتربية الأسرة , عبد اللطيف الغامدى
[6] رواه مسلم : 49
[7] رواه مسلم : 2654
[8] رواه مسلم : 779
[9] رواه مسلم : 781
[10] رواه مسلم : 778
[11] نقلا من النور الخالد : 219
[12] رواه الترمذى , الدعاء : 1, كنز العمال للهندى : 2 : 62
[13] نقلا من النور الخالد : 595
[14] تفسير القرآن العظيم لابن كثير : 38
[15] دعاء الأنبياء لأسامة محمد العوضى : 81
[16] دعاء الأنبياء لأسامة محمد العوضى : 82
[17] رواه مسلم : 674
[18] رواه البخارى : 115

د – تعدّد الزوجات و الحكمة فى إباحة تعدّدها

إنّ النبىّ صلّى الله عليه و سلّم هو قدوتنا و أسوتنا , بقول الله سبحانه و تعالى " لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِى رَسُوْلِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُوْا اللهَ وَ الْيَوْمَ الْآخِرَ وَ ذَكَرَ اللهَ كَثِيْرًا " ( الأحزاب : 21 ) , و كذلك كانت زوجاته و هنّ أمّهات المؤمنين قدوتنا و أسوتنا , لما فى بيت النبى صلّى الله عليه و سلّم من مراح و مودّة و رحمة و سعادة و سكنى , كما قال الله سبحانه و تعالى " النَّبِىُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِيْنَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَ أَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ " ( الأحزاب : 6 ) . و بأنّ البيت المبارك للرسول صلّى الله عليه و سلّم أصبح مدرسة لتعليم المسائل المتعلّقة بالنساء[1] .

فأصل الهدف من زواج المسلم هو أن يتزوّج الرجل بامرأة واحدة تكون سكن نفسه , و أنس قلبه , و ربة بيته , و موضع سره , و بذلك ترفرف عليهما السكينة و المودّة و الرحمة , التى هي أركان الحياة الزوجية فى نظر القرآن الكريم[2] , و كما عند محمد الغزالى أنّ الهدف الأعلى من التواصل الجنسى هو إنشاء الأسرة و تربية الأولاد فى جوّ من الحضانة النظيفة[3] . و أمّا بالنظر إلى رسول الله صلّى الله عليه و سلّم الذى كان تزوّج بعدد من النساء و هنّ أمّهات المؤمنين ليس إلا لحكم عالية و مقاصد سامية , حكم عامة و خاصة[4] . و كما أنّ تعدد زوجات الرسول صلّى الله عليه و سلّم دليل من أدلّة رسالته[5] .
و هناك المسألة عن التعدد الزوجات , فريق من يقولون بأن تعدد الزوجات من شعائر الإسلامى أو من واجباته فعلى الأقلّ أنه من مستحبات , و فريق آخر يقولون أنّ تعدد الزوجات من فعل الجرائم .

فلذا جاء الإسلام و وضع لتعدد الزوجات قيدًا و شرطًا , فالقيد هو جعل الإسلام الحد الأقصى للزوجات أربعًا , بقول الله سبحانه و تعالى " فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَ ثُلاَثَ وَ رُبَاعَ " ( النساء : 3 ) , و قول النبىّ صلّى الله عليه و سلّم لغيلان و قد أسلم على عشر نسوة " , [ أسلم غيلان الثقفي و تحته عشر نسوة في الجاهلية فأسلمن معه فأمره النبىّ صلى الله عليه و سلّم أن يختار منهنّ أربعا " أَمْسِكْ أَرْبَعًا وَ فَارِقْ سَائِرَهُنَّ "[6] ] . و أمّا الشرط هو وضع الإسلام العدل يكون شرطًا فى إباحة تعدد الزوجات , كما قال الله سبحانه و تعالى فى القرآن الكريم " فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوْا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا " ( النساء : 3 ) . إذن أنّ تعدد الزوجات قد أباح الله للرجال بقيد و شرط كما ذكرت من قبل و لم يفرض .

و المتتبع يجد أنّ آية التحديد بالأربع نزلت فى السنة الثامنة للهجرة , على ما قاله المحقّقون , و كان ذلك بعد بنائه صلّى الله عليه و سلّم بزوجاته رضي الله عنهنّ جميعًا , فآية سورة النساء التى حدّدت الأربع نزلت بعد سورة الأحزاب التى منع رسول الله صلّى الله عليه و سلّم فيها أن يتبدّل بزوجاته غيرهنّ[7] , ألا و هي " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِىِّ إِلَّا أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَ لَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانتَشِرُوا وَ لَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَٰلِكُمْ كَانَ يُؤْذِى النَّبِىَّ فَيَسْتَحْيِى مِنكُمْ وَ اللَّهُ لَا يَسْتَحْيِى مِنَ الْحَقِّ وَ إِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ ذَٰلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَ قُلُوبِهِنَّ وَ مَا كَانَ لَكُمْ أَن تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَ لَا أَن تَنكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَٰلِكُمْ كَانَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمًا " ( الأحزاب : 53 ) . 

و قد يكون عدد النساء أكثر من عدد الرجال كما حدثت زيادة عدد النساء على الرجال و ستستمر , فلذا تكون هذه المسألة فى تعدد الزوجات مصلحة للمجتمع و فى مصلحة النساء لدفع الضرائر و الأخطار و العلاج من هذه كلّها . لأنّ تبدو فى حضرات مجتمعنا عدد النساء الصالحات تكثر و تزيد , فزواج الرجل على امرأة واحدة من الصالحات شرعيًّا و تبقى عدد النساء الصالحات الأخرى بدون زواج ! , و الابتعاد عن الفعل ما يحرم عليه الشرع حتى لا يقع ما الذى لا نحبّ أن يقع . فهذه الحكمة فى إباحة تعدد الزوجات التى كانت لمصلحة النساء لدفع الضرائر و الأخطار و العلاج من هذه المفاسد .

فكان العدل شرطًا فى إباحة تعدد الزوجات , كما أنّ الرسول صلّى الله عليه و سلّم الذى قد أعطى لزوجاته الطاهرات المبشّرات بالجنّة و هنّ أمّهات المؤمنين زار و يطوف على زوجاته للسؤال عنهنّ , و لم يكن يظهر أي فرق من ناحية  معاملته لهنّ , فهذه من بعض القيمة التى لا مثيل لها فى العالَمِ[8] . و أنّ الرسول صلّى الله عليه و سلّم يقسّم لزوجاته ليبيت فى بيتهنّ , كما أخبر أنس رضي الله عنه قال " كَانَ لِلنَّبىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ تِسْعُ نِسْوَةٍ ، فَكَانَ إِذَا قَسَمَ بَيْنَهُنَّ لَا يَنْتَهِي إِلَى الْمَرْأَةِ الْأُوْلَى إِلَّا فِي تِسْعٍ ، فَكُنَّ يَجْتَمِعْنَ كُلَّ لَيْلَةٍ فِى بَيْتِ الَّتِى يَأْتِيْهَا ، فَكَانَ فِى بَيْتِ عَائِشَةَ فَجَاءَتْ زَيْنَبُ رَضِيَ الله عَنْهَا فَمَدَّ يَدَهُ إِلَيْهَا ، فَقَالَتْ ــ أي عائشة ــ : هَذِهِ زَيْنَبُ ، فَكَفَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ يَدَهُ ، فَتَقَاوَلَتَا حَتَّى اسْتَخْبَتَا وَ أُقِيْمَتِ الصَّلَاةُ فَمَرَّ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَلىَ ذَلِكَ فَسَمِعَ أَصْوَاتِهِمَا ، فَقَالَ  اخْرُجْ , يَا رَسُوْلَ اللهِ ! إِلَى الصَّلَاةِ . وَ احْثُ فِي أَفْوَاهِهِنَّ التُّرَابَ فَخَرَجَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . فَقَالَتْ عَائِشَةُ : الآنَ يَقْضِى النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ صَلَاتَهُ فَيَجِيءُ أَبُو بَكْرٍ فَيَفْعَلُ بِى وَ يَفْعَلُ . فَلَمَّا قَضَى النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ صَلَاتَهُ أَتَاهَا أَبُو بَكْرٍ . فَقَالَ لَهَا قَوْلاً شَدِيْدًا وَ قَالَ : أَ تَصْنَعِيْنَ هَذَا ؟ "[9] .

و من جانب العدل , كان الرسول صلّى الله عليه و سلّم وقورًا و رفيقًا مع جميع النساء . كما أخبرت سيدة عائشة رضي الله عنها بقول رسول الله صلّى الله عليه و سلّم " إِنَّ اللَّهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ فِي الأَمْرِ كُلِّهِ "[10] , و عنها فى حديث آخر أن رسول الله صلّى الله عليه و سلّم قال " إِنَّ الرِّفْقَ لَا يَكُونُ فِي شَيْءٍ إِلَّا زَانَهُ وَ لَا يُنْزَعُ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا شَانَهُ "[11] .

و لكن كما رأينا أنّ فى بعض من الرجال من يفعل بتعدد الزوجات و هو غير واثق فى نفسه بالعدل الذى شرطه الله عليه إلا لشهوانيته مطلقًا , منهم من يعدد الزوجات و لم يقدر على النفقة اللازمة , و بعضهم من يكون قادرًا على الإنفاق و لكنه غير قادر على الإحصان , فهذا سوء استعمال الحقّ و يتّجه إلى عواقب ضارّة بالأسرة . و لذلك حذّر الله لنا جميعا بهذه العواقب الضارة الجريمة بقوله سبحانه و تعالى " زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَ الْبَنِينَ وَ الْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَ الْفِضَّةِ وَ الْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَ الْأَنْعَامِ وَ الْحَرْثِ ذَٰلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَ اللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ " ( آل عمران : 14 ) .

فهناك الحكَم العامة[12]  التى ذكرها دكتور على يوسف السبكى فى تعدد الزوجات عند النبىّ صلّى الله عليه و سلّم مع زوجاته رضي الله عنهنّ و هي :
1)      حرص النبىّ صلّى الله عليه و سلّم على بلوغ غقائد هذا الدين و شرائعه و آدابه و أخلاقه إلى جميع البشر رجالًا و نساءًا , كبارًا و صغارًا , و قد كانت زوجاته خير معوان له صلّى الله عليه و سلّم على تحقيق هذا الواجب الذى هو من أهمّ واجبات الرسالة , و هو التبليغ .
2)      تبليغ الأحكام الخفية الخاصّة بالحياة الزوجيّة , و التى لا يطلع عليها إلا الزوجات غالبًا , و معرفة السياسة الخاصّة بالمنزل . و المعاشرة الزوجيّة لها منزلتها فى الحياة الاجتماعيّة , قد يصعب على واحدة أو قلّة من الزوجات القيام بهذا التبليغ كما ينبغى , و ذلك لكثرة الأسئلة عن هذه الأحوال الخاصّة .
3)      امتداد الدعوة بعد وفاته عن طريق ألصق الناس برسول الله , و هنّ زوجاته صلّى الله عليه و سلّم , فقد ظلّت عائشة تنشر العالم بعد وفاة النبى صلّى الله عليه و سلّم حوالى نصف قرن , و كذلك السيدة أمّ سلمة .
4)      الاستعانة بهنّ فى شرح الغوامض التى كانت تردّ فى إجابة النبىّ صلّى الله عليه و سلّم على أسئلة النساء , و فيها ما يستحيا من ذكره , كشرح عائشة للمرأة للمرأة كيفيّة التطهّر بغسل الحيض الذى كنى عنه النبىّ صلّى الله عليه و سلّم و لم يفصح . و قد كان عليه الصلاة و السلام على حياء كبير اضطرّه أحيانًا أن يكنى عن الأعضاء الخفية و ما يتّصل بها .
5)      إظهار معجزة أو منقبة للرسول صلّى الله عليه و سلّم كانت كامنة , و لو هذا العدد من الزوجات ما برزت للناس , و ذلك بزيادة أعباء التكاليف عليه , إذ كيف تظهر قوّة الرسول صلّى الله عليه و سلّم فى القيام بواجبهنّ جميعًا مع تقشّفه و كثرة صيامه و طول قيامه و مشاق جهاده , الأمر الذى جعل الصحابة يتحدّثون عنه بأنّه أعطى قوّة ثلاثين أو أربعين من الرجال , إنّها طاقة لا تكون إلا للموهبين أو المصطفين من الناس .
6)      تحقيق صدقه فى دعوته , و تبرّئته من تهمة الناس له بالسحر و الكهانة و ما إليها إذ كيف يعرف أنّه ليس كذلك , و ربّما مارس هذه الأعمال خفية , حيث لا يكون غالبًا إلا سرًّا , و لكن إطلاع الزوجات على أحوال الداخليّة , هنّ من يؤمن معه تواطؤهنّ على ستر العيوب , و لا يتصوّر اتّفاقهنّ على ممالأته فى ادّعاءاته إن كانت باطلة .
7)      رفع درجات النبىّ صلّى الله عليه و سلّم بزيادة أعباء التكليف فى القيام بواجبهنّ , و ما أشقّه و أدقّه و أهمّه !! لقد كان الوحى يلاحقه و هو مضطجع مع بعض نساءه .
8)      إظهار أخلاقه الشريفة المستترة و محاسنة الباطنة , التى لا تعرف إلا فى ظلّ الحياة الزوجيّة بشكل واسعٍ , يدلّ على ذلك أنّه تزوّج أمّ حبيبة بنت أبى سفيان , و كان أبوها كافرًا محاربًا للرسول إذ ذاك , و تزوّج صفيّة بنت حيي بن أخطب , و قد قَتَلَ أباها و عمّها و زوجها , فلو لم تطلعا من بواطن أحواله على أنّه أكمل الأزواج لكانت الطباع البشريّة تقضى بالنفور عنه , و الميل إلى الآباء و الأقارب .
9)      تأليف العرب بالمصاهرة , ليخفّف ذلك من حدة عنادهم للرسول صلّى الله عليه و سلّم , و قد كان لهذا الإصهار أثره فى مثل قول أبى سفيان , عند ما سمع أنّ النبىّ صلّى الله عليه و سلّم تزوّج بنته : هو الفحل لا يُقْدع أنفه . ذكره ابن مسعود و غيره , و فى اختيار صفية رضي الله عنها لرسول الله صلّى الله عليه و سلّم عندما خيّرها بين المقام معه و الرجوع إلى أهلها , و كان لهذا أثره فى تخفيف الحدّة بين الرسول صلّى الله عليه و سلّم و اليهود بعد ذلك .
10)  إقامة الحجّة على أنّ النبىّ صلّى الله عليه و سلّم نبىّ حقًّا , فالواحد منّا تكون عنده الزوجتان و يحار كيف يوفّق بينهما و يتعذّر عليه الاستحواذ على إرضائهما و العدل بينهما , و هذا هو رسول الله صلّى الله عليه و سلّم كانت عنده تسع نسوة وفق بينهما و اكتسبن رضاه حتّى كنّ يتسابقن فى ذلك . و ذلك بسبب سعة عقله صلّى الله عليه و سلّم , و رحابة صدره , و حسن خلقه , و بعد نظره و عجيب سياسته , و كمال كياسته .

إنّ تعدد الزوجات نظام أخلاقى إنسانى , فالمراد أنّ التعدّد أخلاقىّ لأنّه لا يسمح للرجل أن يتّصل بأيّ امرأة شاء , و فى أيّ وقت شاء , و أمّا أنّه إنسانىّ لأنّه يخفّف الرجل به من أعباء المجتمع بإيواء امرأة لا زوج لها , و نقلها إلى مصاف الزوجات المصونات المحصنات[13] . فعن تعدد الزوجات النبىّ صلّى الله عليه و سلّم و حكمة التعدد بادئًا بالتعريف بأمّ المؤمنين , منوهًا عنها قبل دخولها بيت النبىّ صلّى الله عليه و سلّم , و من تزوّجت قبله , و كلّهنّ تزوّجن قبله صلّى الله عليه و سلّم إلا سيدة عائشة بنت أبى بكر رضي الله عنهما فهي الزوجة الوحيدة التى تزوّجها النبىّ صلّى الله عليه و سلّم بكرًا[14] .



[1] النور الخالد لمحمد فتح الله كولن : 287
[2] ملامح المجتمع المسلم الذى ننشده للإمام يوسف القرضاوى : 351
[3] فقه السيرة لمحمّد الغزالى : 374
[4] زوجات النبىّ صلّى الله عليه و سلّم الطاهرات و حكمة تعددهنّ للدكتور على يوسف السبكى : 237
[5] النور الخالد لمحمّد فتح الله كولن : 287
[6]رواه الترمذى : 1128
[7] زوجات النبىّ صلّى الله عليه و سلّم الطاهرات و حكمة تعددهنّ للدكتور على يوسف السبكى  : 251
[8] النور الخالد لمحمد فتح الله كولن : 290
[9] رواه مسلم : 1462
[10] رواه البخارى : 6024 , و رواه مسلم : 2165
[11] رواه مسلم : 2594
[12] زوجات النبىّ صلّى الله عليه و سلّم الطاهرات و حكمة تعددهنّ للدكتور على يوسف السبكى : 237
[13] ملامح المجتمع المسلم للإمام يوسف القرضاوى : 355
[14] زوجات النبىّ صلّى الله عليه و سلّم الطاهرات و حكمة تعددهنّ للدكتور على يوسف السبكى فى مقدّمته 

خاتمة

بحمد الله تمّت هذه الرسالة اللطيفة , فإنّ هذه الرسالة جهد بشريّ الذى لا عصمة له , لأنّ الإنسان خلق ضعيفًا و ظلومًا جهولًا , و لكن أسعى بكلّ جهدى أن لا تكون فى هذه الرسالة خطأ و لا غلط . و نسأل الله عسى أن ينفعنا بهذ الرسالة اللطيفة و جميع المسلمين , و أن يجمع بها بين الأسر , و أن يصلح بها الأخلاق , و يحسن بها المعاملات , و أن يجعل مآل كاتبها و قارئيها و أسرهم إلى جنّات النعيم .  
     
اللّهمّ إنّا نسألك العفو و العافية و المعافة فى الدين و الدنيا و الآخرة لنا و لأزواجنا و ذرّيّاتنا يا ربّ العالمين , و الحمد لله الذى بنعمته تتمّ الصالحات .

أَيُّهَا النَّــاسُ إِنَّ لَكُمْ مَعَالِمَ فَانْتَهَوْا إِلَى مَعَالِمِكُمْ وَ إِنَّ لَكُمْ نِهَايَةً فَانْتَهَوْا إِلىَ نِهاَيَتِكُمْ , فَإِنَّ الْعَبْدَ بَيْنَ مَخَاَفَتَيْنِ بَيْنَ عَاجِلٍ قَدْ مَضَى لَا يَدْرِي مَا اللهُ صَانِعٌ بِهِ وَ بَيْنَ آجِلٍ لَايَدْرِى مَا اللهُ قَاضٍ فِيْهِ فَلْيَأْخُذِ الْعَبْدُ مِنْ نَفْسِهِ لِنَفْسِهِ وَ مِنْ دُنْيَاهُ ِلآخِرَتِهِ وَ مِنَ الشَّبِيْبَــةِ قَبْلَ الكِـبَرِ وَ مِنَ الحَياَةِ قَبْلَ المَــوْتِ . فَهُوَ الَّذِى نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ مَا بَعْدَ الْمَوْتِ مِنْ مُسْتَعْتَبٍ وَ لَا بَعْدَ الدُّنْيَا مِنْ دَارٍ إِلَّا الْجَنَّةُ وَ النَّــارُ[1] .




[1] خطبة للرسول عليه الصلاة و السلام فى طريق السعادة


Artikel karya Ust. Abdul Samad, yang mendapatkan perhargaan dalam lomba menulis artikel oleh majalah Hira dari Turki. Mabruk! Ustazz

Komentar

Postingan Populer